دماغنا! كيف يطور العلم معرفتنا للدماغ في الصحة والمرض

منصة متلازمة داون بالتعاون مع فريق متطوعون لأجلهم
عقل الانسان هو أكثر بنية معقدة في الطبيعة، تحفة فنية في التطور. مضغوط في كتلته ذات وزن ثلاث باوند من الأنسجة المجعدة والمطوية هي تقريبا مئة مليون من الخلايا العصبية، مرتبطة بشكل معقد بتريليونات أخرى من الوصلات او نقاط من الاشتباك العصبي _ أكثر من رقم النجوم في درب التبانة. تنتقل النبضات الكهربائية والاشارات الكيميائية بلا توقف عبر هذا النظام الملفوف بإحكام، من خلية الى خلية، عبر مناطق واسعة من الدماغ.
خلية النشاط هذه معقدة بشكل لا يمكن تصوره لكنها منظمة بشكل كبير وهي مسؤولة عن كل جانب من جوانب تجربتنا. كل فكره او عاطفة او إحساس وتصرف جسدي له اصل في الدماغ، من مجرد ادراك اللمس الى اكثر المفاهيم تطور. إننا ندرك العالم إننا نستطيع العيش في العالم _ بفضل العمليات التلقائية لقلوبنا و رئتينا وأعضاء أخرى_ نحن مدينون لأدمغتنا.
استخدمنا عقولنا نحن البشر على مر العصور لحل الغاز كوننا. ربما كانت المحاولة الأكثر طموحا هي محاولة فهم العقل نفسه. بوتيرة متسارعة يبحث الباحثون عن كيفيك عمله وما الخطأ الذي ممكن أن يحدث.

كيف يعمل الدماغ؟

الدماغ عباره عن شبكة متعددة الطبقات من الخلايا: الخلايا العصبية وعدد أكبر بكثير من الخلايا الطبقية التي تعمل على استقرار البيئة الكيميائية وتنظم الخلايا العصبية وتحميها. الطبقة الخارجية، القشرة الدماغية، هي جزء من سُمك بوصة واحدة، ولكنها تحتوي على ٧٠ في المئة من جميع الخلايا العصبية. ينقسم هذا الجزء الأكثر تطورًا من الدماغ إلى فصوص متخصصة لتنظيم التجربة الحسية واللغة والذاكرة وإحساسنا بالفضاء. الفص الأمامي هو المنطقة البشرية الأكثر تميزًا، وهو المسؤول عن الحكم والتخطيط واتخاذ القرار.

توجد تحت القشرة مناطق مثل العقد القاعدية التي تتحكم في الحركة؛ الجهاز الحوفي، مركز للعاطفة؛ والحُصين، اساسي في الذاكرة. ينظم جذع الدماغ البدائي التوازن والتنسيق وعمليات الحفاظ على الحياة مثل التنفس وضربات القلب.
في جميع أنحاء الدماغ، تتواصل الخلايا العصبية مع بعضها البعض من خلال دوائر متشابكة. عندما يتم تحفيز خلية عصبية، فإنها تولد تيارًا كهربائيًا دقيقًا يمر عبر الألياف أو المحاور. تُطلق نهاية المحور العصبي نواقل عصبية - مواد كيميائية تعبر فجوة مجهرية، أو المشابك - لتحفيز الخلايا العصبية الأخرى القريبة. يمكن تكرار العملية آلاف المرات لإنشاء دائرة من الإشارات الكهربائية التي تنتج الحركة، أو العاطفة، أو التجربة الحسية، أو التفكير.
في الواقع، عادةً ما تتواصل الخلايا العصبية مع العديد من الخلايا الأخرى في وقت واحد، وسيطلق أو لا يطلق اعتمادًا على مجموع الإشارات التي يتلقاها. يمتد نشاط الخلايا العصبية على نطاق واسع، ويربط بين الفصوص ومستويات الدماغ. تحمل حزم المحاور، "المادة البيضاء"، إشارات بكفاءة من منطقة إلى أخرى ، مثل كابلات المسافات الطويلة.
في السنوات الأخيرة، أصبح هذا الاتصال محورًا للبحث حيث يشرح العلماء كيف يتم توصيل الدماغ وتجميع التنسيق المعقد للنشاط الداخلي الذي يتأرجح ويتدفق أثناء مضينا في حياتنا، على سبيل المثال، كيف تدمج القراءة الرؤية واللغة ومراكز العاطفة والتفكير.

كيف تشكل الجينات العقل؟

تتكون الخلايا والمواد الكيميائية في الدماغ إلى درجة كبيرة من البروتين، والجينات هي المخططات التي تتكون منها البروتينات. يمتلك البشر ما بين 20 إلى 25000 جين: حلزونات من الحمض النووي، ملفوفة بإحكام على 23 زوجًا من الكروموسومات داخل نواة كل خلية. يتم تشغيل نسبة صغيرة فقط من الجينات في أي خلية في أي وقت. في الدماغ، تلعب عملية التشغيل والتوقف دورًا في مجالات متنوعة مثل النمو والذاكرة والإدمان. وراثيًا، نحن متشابهون أكثر بكثير من اختلافنا. تشير التقديرات إلى أن ما بين 99 و99.9 بالمائة من الحمض النووي الذي يمتلكه كل منا متطابق.

لكن هذه الاختلافات الصغيرة مهمة: فهي تحدد تمامًا بعض السمات، مثل لون العين ، وتساهم (جنبًا إلى جنب مع التأثيرات البيئية) في العديد من السمات الأخرى، مثل الطول والوزن - ومخاطر الإصابة بالأمراض. 
تساعد تقنيات مثل مقارنة التوائم المتطابقة (التي تتشابه جيناتها جميعها) مع التوائم الأخوية (نصفها فقط متشابه)، ودراسات الترابط (مقارنة الجينات في الأشخاص الذين لديهم او ليس لديهم سمات أو مرض) ، الباحثين على فهم دور الجينات. في معظم الظواهر المتعلقة بالدماغ - على سبيل المثال، الذكاء والشخصية، تتفاعل الجينات والبيئة. وينطبق الشيء نفسه على أمراض الدماغ: فقد تم ربط جينات معينة بأمراض باركنسون والزهايمر والتصلب الجانبي الضموري (أو مرض لوجيهرج) على سبيل المثال، ولكن كثيرًا ما تتورط عوامل مثل السموم البيئية.
على الرغم من أن بعض السلالات العائلية تحدث بسبب طفرات مفردة، فإن أمراض الدماغ عادة ما تكون متعددة الجينات- تساهم الجينات المتعددة في زيادة المخاطر. على سبيل المثال، تم ربط أكثر من 100 جين بمرض انفصام الشخصية. (يُعد مرض هنتنغتون استثناءً: فالطفرة في جين واحد هي المسؤولة دائمًا.) بالإضافة إلى مساعدتنا في فهم الدماغ، توفر الأبحاث الجينية رؤيا ثاقبة في البيولوجيا الكامنة وراء مساوئها. على سبيل المثال، قد يشير ربط جين جديد بمرض باركنسون إلى هدف جديد لتطوير الأدوية.

الجينات التي تجعلنا بشر

الوافد الجديد إلى مجال علم الأعصاب ، علم الوراثة العصبية التطورية أصبح بسرعة مجالًا بحثيًا مهمًا يقارن الجينات البشرية مع أقرب أقربائنا للحصول على أدلة حول ما يجعل دماغنا فريدًا. إنه مجال جديد نسبيًا ظهر لأول مرة في السنوات القليلة الماضية وسرعان ما اكتسب قوة جذب مع العديد من الأقسام البحثية التي تبحث عن الأسباب الجينية للأمراض والاضطرابات المختلفة.
يقترح بحث جديد أنه قد يكون هناك بعض التداخل بين الجينات المرتبطة بالذكاء البشري وتلك المرتبطة باضطرابات الدماغ. يمكن أن يكون لهذا تأثير عميق على علاجات حالات مثل التوحد.

كيف يتطور الدماغ؟

الدماغ هو عمل مستمر مدى الحياة. يكون النمو أسرع قبل الولادة، ويحافظ على وتيرة سريعة في الطفولة ويستمر بسرعة خلال الطفولة والمراهقة ، ولكنه لا يتوقف تمامًا.
في الأسبوع الثالث من الحمل، يتم تشغيل الجينات لتحويل بعض الخلايا الجذعية للجنين - خلايا "لوح فارغ" مع إمكانية أن تصبح أي نوع من الأنسجة - إلى خلايا عصبية ودبقية. تتكاثر هذه الخلايا المشكلة حديثًا وتهاجر وتتواصل مع بعضها البعض، مسترشدة بإشارات كيميائية في شبكة تشريح الدماغ. بحلول الأسبوع السابع، تظهر الأشكال البدائية من القشرة والمخ وجذع الدماغ.
الولادة هي البداية فقط. يضيف المخ حجمًا بمعدل أولي يبلغ 1 في المائة يوميًا، وينمو بمقدار الثلثين في الأشهر الثلاثة الأولى. لتغذية تطورها، يتطلب الأمر 43 في المئة من الطاقة اليومية للجسم حتى سن البلوغ - وهو ما يفسر، كما يقول بعض الخبراء، سبب استغراق النمو البدني وقتًا طويلاً عند البشر، مقارنةً بالأنواع الأخرى. لا تتم إضافة الخلايا العصبية - في الواقع، لدينا أكثر عند الولادة مما نمتلكه في مرحلة البلوغ - ولكن تنمو وتتواصل في شكل دوائر متخصصة. تظهر المراكز الحسية مبكرًا، في حين أن الحُصين واللوزة، وهما مناطق بدائية مهمة في العاطفة والذاكرة، لا تعملان بشكل كامل حتى سن 3 سنوات - ولهذا السبب لا نحتفظ فعليًا بأي ذكريات عن الطفولة.
تنمية الطفولة هي تفاعل ديناميكي بين الدماغ والعالم. خلال الفترات "الحرجة" عندما يتم تنظم المناطق والحواس والعواطف واللغة لعمل نقاط الاشتباك العصبي، فانهم يجب أن يتلقوا التحفيز البيئي المناسب للاتصال بشكل صحيح.
يحدد التطور في مرحلة المراهقة دوائر الدماغ بشكل أكثر حدة، مضيفًا مشابك عصبية جديدة ، وتقليم التشابكات الغير ضرورية ، وتقوية التشابكات الباقية. تنضج المراكز الحسية واللغوية والعاطفية. تضيف المحاور غلافاً عازلًا من المايلين لنقل الرسائل بشكل أكثر كفاءة.
مع انتهاء فترة المراهقة، لا يزال الدماغ بحاجة إلى ضبط دقيق ، كما يتضح من المخاطرة المتكررة والحكم السيئ الذي يظهره البعض في أوائل العشرينات من العمر بأن القشرة الأمامية ، مقر التخطيط واتخاذ القرار ، لن تنضج بشكل كامل لعقد آخر وهذا يفسر السلوك جزئيًا ، ولكن يجب أيضًا تقوية الروابط بين مناطق الدماغ لإعطاء العقل سيطرة كاملة على الدافع العاطفي.

عندما يحدث خطا في التطور!

الحوادث المؤسفة في هذه العملية المعقدة قبل الولادة أو في وقت مبكر من الطفولة تؤدي إلى اضطرابات النمو العصبي ، مثل الإعاقة الذهنية والتوحد واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. يقترح البعض أن الفصام ، الذي يظهر عادةً في أواخر سن المراهقة ، يتطور بطريقة مماثلة.
قد تشمل أسباب الاضطرابات النمائية العصبية العوامل الوراثية والتعرض للسموم والعدوى والصدمات. قد يسهل البحث في هذه المشكلات التدخل المبكر وتحسين العلاج.

كيف يتصل الدماغ مع العالم؟

غالبًا ما نركز على الدماغ باعتباره مقرًا للوعي، ولكنه أيضًا مركز تحكم يحافظ على الحياة. من خلال الإشارات العصبية والهرمونات المعدلة من خلال التغذية المرتدة من الأعضاء والمستويات الكيميائية التي تنظمها، يحافظ الجهاز العصبي اللاإرادي للدماغ على التنفس وضربات القلب والهضم وغيرها من وظائف الجسم بشكل صحيح ، والمواد الكيميائية في سوائل الجسم بالتركيز الصحيح

كيف للدماغ أن يربطنا بالعالم حولنا؟

نتذكر دومًا أن الدماغ هو مركز الإدراك، لكننا نغفل عن حقيقة أنه مركز التحكم الذي يبقينا على قيد الحياة من خلال الإشارات العصبية والهرمونات المعدلة لتساير متطلبات أعضاء الجسد والنواقل الكيميائية التي ينظمها، إذ يحرص نظام الدماغ العصبي المستقل على سريان عمليات التنفس ونبضات القلب والهضم ووظائف الجسد الأخرى بطريقة صحيحة، كما يسمح للمواد الكيميائية بأن تنتشر بالجسم في ظروف مناسبة.
كما يعتبر مكوّن الدماغ المعروف ب "تحت المهاد" الذي يقع فوق جذع الدماغ مكوّنا مهمًا للتحكم في استجابة الجسد للأمور العاطفية والضغوط وكافة ما يحيط به.
وتتم عملية ربطنا بالعالم حولنا من خلال الدماغ عبر أنظمة الحواس المختلفة "البصر، السمع، اللمس، التذوق، الشم" إذ تعمل هذه الأنظمة المختلفة بطريقة قائمة على أسس متشابهة، حيث تجهّز أعضاء الجسد للاستجابة للمثير الحركي في عملية تترجم فيها الخلايا الإحساس إلى نبضات عصبية ويحدث ذلك عادةً من خلال إطلاق كيماويات تحفز أعصابًا معينة وعن طريق تجهيز الشبكات العصبية للإشارات.
ويخصص لكل حاسة من هذه الحواس قشرة دماغية مستقلة كالفص الصدغي للسمع والفص القذالي للبصر، فمثلًا تتشكل الإشارات الحسية داخل القشرة لتبيّن لنا ماهية الأمور من حولنا، فإذا كان لدينا صورة مرئية سيتعامل معها مكونات مختلفة من الدماغ لتعرّفنا على شكل أو حجم أو مكان أو لون هذه الصورة وفي حالات أعمق يمكننا التعرف من خلال هذه المكونات على الوجوه أو الأماكن أو الكلمات.

إن الإدراك عملية محكمة!

لا تستقبل عقولنا الإشارات الحسية بشكل تلقائي بل أنها تجمع معلومات منطقية لتقدمها لنا بقوالب جاهزة، و يثبت ذلك قدرتنا على التركيز في محادثة تحدث وسط محيط تعج به الضوضاء، على سبيل المثال، من الممكن أن تثير حواسنا الخمس الذاكرة والمشاعر لتتشكل بذلك تفسيراتنا و ردودنا على شكل لغة، و من خلال تحكم عقولنا بهذه العملية فإنها تمنع بعض الإشارات الحسية من التأثير علينا و تسمح للأخرى بذلك بطريفة مبالغٍ فيها أحيانًا، إذ يتم ذلك وفقًا لحالتنا المزاجية، و مما لا شك فيه أن ردود أفعالنا لما نسمع أو نرى تختلف باختلاف حالتنا المزاجية آنذاك.

كيف تتم عملية التعلم والتذكر؟

يتأثر الدماغ نتيجة لاكتساب الخبرات، وتعد عملية التعلم إحدى صور هذا التأثير، كما يحفّز اكتساب المعلومات الجديدة على إعادة تشكيل الدوائر العصبية في الدماغ.   ولتوضيح ذلك علميًا؛ فإنه عندما تتشابك الخلايا العصبية تمتلئ وصلاتها بالنواقل العصبية لتسمح للإشارات الكهربائية بالتدفق بين هذه الخلايا، إذ تشكل بهذه العملية محفزًا للدماغ للإبقاء على المعلومات اللحظية على شكل أنماط معينة ليتسنى لنا حفظ رقم هاتف معين أثناء إجراء مكالمة أو تدوين ملحوظة لحظية مهمة في دفتر المذكرات.   ويصنف ذلك بالنوع الأول من طرق إبقاء المعلومات والذي يستخدم عند تذكر المعلومات اللحظية، أما عن إبقاء المعلومات لفترة أطول فيتطلب تغييرات مختلفة، حيث يزداد حجم الوصلات العصبية وتتم تقوية روابطها عن طريق البروتينات، وقد تتكون أحيانًا خلايا عصبية جديدة من خلال الشعيرات الدموية لتغدي هذه الدوائر. كما يؤدي الحصين رفقة مكونات أخرى للدماغ دورًا هامًا في إعادة تنشيط الذكريات طويلة الأمد التي تحفظ في ذات أجزاء الدماغ التي يتم فيها إنشاء المعلومات، كعمل القشرة البصرية في معالجة المعلومات المرئية وحفظها.   وتعد عملية إعادة تنشيط الدائرة الكهربائية من خلال الممارسة أو الجهد الذاتي -التذكر- الطريقة المعتادة لضمان استدامة حفظ المعلومات في عقولنا، وكما يقول علماء الأعصاب "الخلايا التي ترسل معًا تسترسل معًا" ودائمًا ما أثبتت المواقف التي تؤثر على مشاعر الإنسان قوتها الهائلة في تغيير أنماط حفظ الذكريات في العقول واستدامة حفظها بشكل أشبه بالأبدي.   وعلى النقيض، ننعم أحيانًا بنسيان الذكريات المنهكة التي تسبب الفوبيا أو تسببها اضطرابات ما بعد الصدمة، كما أثبتت الدراسات أن استذكار الأحداث بطريقة ما يجعلها تتسم بعدم الاستقرار وقد نتمكن من تغيير جزء منها أو نسيانها تمامًا، وقد تقودنا معرفة الروابط بين الحصين ولوزة المخيخ إلى صرف أدوية تحول مشاعرنا تجاه الذكريات من حزينة إلى مفرحة.  

تأثير تعلم القراءة على الدماغ  

إن تعلم مهارة متقدمة يساعد على تقوية الروابط بين أجزاء الدماغ، وعلى سبيل المثال فإن تعلمنا للقراءة بمختلف أعمارنا صغارًا كنا أم كبارًا يؤثر في روابط أجزاء دماغنا المختلفة لتجدها أقوى بين الأجزاء البصرية المعنية بالتعرف على الأشكال والأجزاء السمعية المعنية بالتعرف على الأصوات وربطها باللغة، وكل ذلك يعود لتعلم القراءة.

كيف أثرت التقنية الحديثة على عقولنا؟

يعد تأثير التقنية الحديثة على عقولنا جلي للغاية في كافة نواحي حياتنا، ومن المؤسف أنه ليس تأثيرًا إيجابيًا على الدوام، إذ يعزو الكثير من الخبراء السبب في مشاكل حساسة لدى الإنسان كقلة التركيز وكثرة النسيان ومحدودية الخيال وأيضًا الأمراض النفسية وزيادة العنف إلى الانجراف المرعب نحو استخدام الأجهزة الذكية وأجهزة الحاسب. وأما عن إجابة الأسئلة حول حقيقة تغيير التقنية الرقمية لتراكيب أدمغتنا خاصة في مراحل حساسة كالطفولة المبكرة والمراهقة، فإن الأبحاث مازالت قائمة في هذه المواضيع. ومن الظواهر المثيرة للاهتمام في هذا الصدد، ظاهرة القيام بالأعمال الطبيعية والتقنية في ذات الوقت، كقراءة رسائل البريد الإلكتروني أثناء الاستماع للمحاضرات أو إجراء المكالمات أثناء القيادة، فكيف للعقول أن توافق بين هذه الأفعال المستقلة؟ وتدعي بعض الفرضيات تعليلًا لهذا التساؤل علميًا، أن الدماغ في هذه الحالة يتنقل بين الدوائر العصبية بعملية تبادلية مع الذاكرة ذات الأجل القصير، ويذكر أن قدرة الدماغ على هذا الفعل تضمحل كلما تقدم في العمر، كما تقل كفاءته عند مقارنته مع التركيز على عمل واحد مهما اختلف العمر. ووفقًا لبعض الدراسات، فإن الطلاب وإن تحلّوا بقدرات ذهنية لا بأس بها فإنهم يقعون في فخ الأداء السيء للمهام غير الأكاديمية عندما يستخدمون الأجهزة الالكترونية داخل القاعات الدراسية، وتستكمل النتائج غير المتوقعة عند استعراض حقيقة أن من اعتاد على تعدد المهام في وقت واحد يصبح أقل قدرةً على التعامل مع المشتتات الذهنية أو التنقل بين المهام بأوقات منفصلة، وتزعم الدراسات أيضًا أنهم أكثر عرضةً للاكتئاب والقلق. وفي ظاهرة مشابهة أخرى تتناول الآثار السلبية لألعاب الفيديو، تلك الألعاب الرقمية التي يشارك فيها عدد كبير جدًا من الأطفال والمراهقين، فقد أشارت دراسة إلى أنها تسبب العدوانية لدى المراهقين وتعزز من احتمالية الإصابة بالاكتئاب وتشجع على الممارسات الخطيرة كالقيادة المتهورة والتدخين، وادعت دراسة أخرى أن هذه الألعاب الإلكترونية قللت من قدرة عقول الأطفال والمراهقين على التحكم بالمشاعر والعدوانية. وفي الجانب المشرق من تأثيرات هذه الألعاب، فقد وجد الباحثون أن الألعاب الالكترونية التي يكثر فيها التعاون ساهمت بزيادة معدلات التعاطف ومد يد العون للآخرين.

توافق الدماغ مع الآلات:

تبلغ الدهشة أعلى مستوياتها عند قياس تأثير التقنية على العقول في الاتصال المباشر بينهم، ومن الاكتشافات المذهلة لربط الأجهزة بالعقول زراعة قوقعة الأذن والتي من خلال اقطابها الكهربائية الصغيرة تتم إثارة عصب السمع لتمكّن الصم من سماع الأصوات كما لو كانوا سليمين، واكتشاف شبكية العين الاصطناعية لمساعدة المكفوفين لا يقل روعة ولا أهمية عن ذلك أيضًا، كما أن العلماء يسعون لكي يرى تركيب الأطراف الصناعية للمصابين بالشلل النور قريبًا.

المرجع : تحالف دانا لمبادرات العقل

‏مشاركة ‏المقال

Created with